سورة الجاثية - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)}
{حم} إن جعلتها اسماً مبتدأ مخبراً عنه ب {تَنزِيلُ الكتاب} لم يكن بدّمن حذف مضاف، تقديره: تنزيل حم تنزيل الكتاب. و{مِنَ الله} صلة للتنزيل، وإن جعلتها تعديداً للحروف كان (تنزيل الكتاب) مبتدأ، والظرف خبراً {إِنَّ فىلسماوات والارض} يجوزأن يكون على ظاهره، وأن يكون المعنى؛ إنّ في خلق السموات لقوله: {وَفِى خَلْقِكُمْ} فإن قلت: علام عطف {وَمَا يَبُثُّ} أعلى الخلق المضاف؟ أم على الضمير المضاف إليه؟ قلت: بل على المضاف، لأنّ المضاف إليه ضمير متصل مجرور يقبح العطف عليه، استقبحوا أن يقال: مررت بك وزيد، وهذا أبوك وعمرو، وكذلك إن أكدوه كرهوا أن يقولوا: مررت بك أنت وزيد. قرئ {آيات لقوم يوقنون} بالنصب والرفع، على قولك: إنّ زيداً في الدار وعمراً في السوق. أو عمرو في السوق. وأمّا قوله: (آيات لقوم يعقلون) فمن العطف على عاملين، سواء نصبت أو رفعت، فالعاملان إذا نصبت هما: إن، وفي، أقيمت الواو مقامهما، فعملت الجر في (واختلاف الليل والنهار)، والنصب في {ءايات}. وإذا رفعت فالعاملان: الابتداء وفي عملت الرفع في {لأيات}، والجر في {واختلاف} وقرأ ابن مسعود {وفي اختلاف الليل والنهار} فإن قلت: العطف على عاملين على مذهب الأخفش سديد لا مقال فيه. وقد أباه سيبويه، فما وجه تخريج الآية عنده؟ قلت: فيه وجهان عنده. أحدهما: أن يكون على إضمار في. والذي حسنه تقدّم ذكره في الآيتين قبلها. ويعضده قراءة ابن مسعود.
والثاني: أن ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفاً على ما قبله أو على التكرير، ورفعها بإضمار هي: وقرئ: {واختلاف الليل والنهار} بالرفع. وقرئ {آية} وكذلك وما يبث من دابة آية. وقرئ {وتصريف الريح} والمعنى: إنّ المنصفين من العباد إذا نظروا في السموات والأرض النظر الصحيح، علموا أنها مصنوعة، وأنه لابد لها من صانع، فآمنوا بالله وأقرّوا، فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى هيئة، وفي خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان: ازدادوا إيماناً، وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس؛ فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدّد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها. {وَتَصْرِيفِ الرياح} جنوباً وشمالاً وقبولاً ودبوراً: عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم، وسُمّيَ المطر رزقاً؛ لأنه سبب الرزق {تِلْكَ} إشارة إلى الآيات المتقدّمة، أي: تلك الآيات آيات الله. و{نَتْلُوهَا} في محل الحال، أي: متلوة {عَلَيْكَ بالحق} والعامل ما دل عليه تلك من معنى الإشارة. ونحوه: {هذا بعلي شيخاً} [هود: 72] وقرئ {يتلوها} بالياء {بَعْدَ الله وءاياته} أي بعد آيات الله كقولهم: أعجبني زيد وكرمه، يريدون: أعجبني كرم زيد. ويجوز أن يراد: بعد حديث الله، وهو كتابه وقرآنه، كقوله تعالى؛ {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} [الزمر: 23]. وقرئ {يُؤْمِنُونَ} بالتاء والياء.


{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)}
الأفاك: الكذاب، والأثيم: المتبالغ في اقتراف الآثام {يُصِرُّ} يقبل على كفره ويقيم عليه. وأصله من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحى عليها صارّاً أذنيه {مُسْتَكْبِراً} عن الإيمان بالآيات والإذعان لما ينطق به من الحق، مزدرياً لها معجباً بما عنده. قيل: نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم، ويشغل الناس بها عن استماع القرآن. والآية عامّة في كل ما كان مضارّاً لدين الله.
فإن قلت: ما معنى ثم في قوله: {ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً}؟ قلت: كمعناه في قول القائل:
يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثُمَّ يَزُورُها ***
وذلك أنّ غمرات الموت حقيقة، بأن ينجو رائيها بنفسه ويطلب الفرار عنها. وأمّا زيارتها والإقدام على مزاولتها. فأمر مستبعد، فمعنى ثم: الإيذان بأن فعل المقدّم عليها بعدما رآها وعاينها؛ شيء يستعبد في العادات والطباع، وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق، من تليت عليه وسمعها: كان مستبعداً في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها {كَأَن} مخففة، والأصل كأنه لم يسمعها: والضمير ضمير الشأن، كما في قوله:
كَأَنْ ظَبْيَةً تعطو إِلَى نَاضِرِ السَّلَمْ ***
ومحل الجملة النصب على الحال. أي: يصر مثل غير السامع {وَإِذَا} بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها {اتخذها} أي اتخذ الآيات {هُزُواً} ولم يقل: اتخذه، للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم: خاض في الاستهزاء بجميع الآيات. ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، ويحتمل: وإذا علم من آياتنا شيئاً يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملاً يتسلق به على الطعن والغميزة: افترصه واتخذ آيات الله هزواً، وذلك نحو افتراص ابن الزبعري قوله عز وجل: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] ومغالطته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: خصتمك. ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء؛ لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية:
نَفْسِي بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا مُعَلَّقَةٌ *** أللَّهُ وَالْقَائِمُ الْمَهْدِيُّ يَكْفِيَهَا
حيث أراد عتبة. وقرئ: {علم أولئك} إشارة إلى كل أفاك أثيم، لشموله الأفاكين. والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام. قال:
أَلَيْسَ وَرَائِي أَنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي *** أَدِبُّ مَعَ الْوِلْدَانِ أَزْحَفُ كَالنَّسْرِ
ومنه قوله عز وجل: {مِّن وَرَائِهِمْ} أي من قدّامهم {مَّا كَسَبُواْ} من الأموال في رحلهم ومتاجرهم {وَلاَ مَا اتخذوا مِن دُونِ الله} من الأوثان.


{هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}
{هذا} إشارة إلى القرآن، يدل عليه قوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ بأايات رَبِّهِمْ} لأنّ آيات ربهم هي القرآن، أي هذا القرآن كامل في الهداية، كما تقول: زيد رجل، تريد كامل في الرجولية. وأيما رجل. والرجز: أشد العذاب. وقرئ بجر {أليم} ورفعه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6